أنت حبيبي ما دمت لا تنتقدني، ولا تتعرض لأخطائي، فإن تجرأت وتناولت بالنقد أفكاري، أو منهجي السياسي، أو حتى سلبياتي الحياتية، أو السلوكية، تصير عدوي؛ فنحن ما زلنا مجتمعاً شرقياً نرفض تقبل النقد، ونرى في أنفسنا ثوباً أبيض نقياً تغمس بندى الصباح، ولا يمسه إلا المطهرون.
ما زلنا شرقيين ننظر للناقد على أنه كاشف العيوب، وفاضح المستور، ولا ننظر للنقد على أنه وخز أبرٍ صينية في موضع الألم. ولأننا شرقيون فقد تعودت آذاننا على كلمات المديح، وعبارات الإطراء حتى لو كان من باب النفاق، فسميناه: تجملاً بالكلمات، حتى صار التقرب لصاحب السلطان جملاً ناعمة الملمس، تدغدغ عواطف المسؤول، وتمسح على جبين الممدوح بالثناء، وتجبل أفعاله الصغيرة بصلصال العظمة، وتهدهده للنوم.
الذي يخاف من النقد يخاف من نفسه التي أعجب فيها، ويتوهم وجود الآخر الذي يتربص فيه، لأن الآخر الذي يخيفنا وهمي، وأوجدناه نحن في نفوسنا، كي لا نغير من واقعنا، وكي لا نفتح نافذة التطوير لقدراتنا، وكي لا نعالج أخطاءنا، فنحتمي تحت غطاء المصلحة العليا، والمتربصين بالوطن، والمندسين بين الصفوف، وأولئك الذي يخططون ضدنا في الظلام، وحتماً سيختفي ذاك الآخر من حياتنا إن وقفنا بصدق أمام أنفسنا، واعترفنا أننا بشر، نخطئ، ويجب أن نعالج أخطاءنا، وأن نوسع صدورنا لمن يقول لنا: هذا خطأ. ويقوم بإبرازه، وتسليط الضوء عليه، لأن معاني الصواب لا يمكن إدراكها إلا إذا كشفنا عن مستور الخطأ.
لما سبق تراني أقول: إن النقد ثقة وأمل، والذي ينتقدك هو الذي يحبك، ويأتي على عيبك بالتحريض حرصاً منه على نقاء جسمك من المرض، ولاسيما إذا التزم بشروط النقد، وأولها إظهار العيب الحقيقي وليس المصطنع، وإظهار العيب بهدف الإصلاح وليس بهدف التدمير، وفوق هذا وذاك، على الناقد أن يسهم في وصف العلاج لما ينتقد.
ما زال وزير الأسرى السابق، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، صديقي الأخ هشام عبد الرازق الذي أمضى عشرين عاماً في السجون الإسرائيلية، ما زال يقول: الذي ينتقدك لم يفقد الأمل فيك، فهو ينتقدك لأنه يثق أنك ستغير من نهجك، أما الذي يكتفي بمدحك، فقد ران على قلبه وقلبك، وفقد بوصلة الثقة فيك، وأغلق دونه ودونك أبواب التغير والتطوير.
بقلم الدكتور فايز أبو شمالة